الثلاثاء، 20 أغسطس 2013

بعد موته "إكلينيكيا"..تولى محمود عزت منصب المرشد "المؤقت" لن يعيد الحياة لجسد الإخوان..الجماعة فقدت التواصل مع أعضائها.. وقادتها هرولوا للمفاوضات بعد عزل مرسى بيوم. وسعيهم للسلطة سارع بإسقاط التنظيم

بعد موته "إكلينيكيا"..تولى محمود عزت منصب المرشد "المؤقت" لن يعيد الحياة لجسد الإخوان..الجماعة فقدت التواصل مع أعضائها.. وقادتها هرولوا للمفاوضات بعد عزل مرسى بيوم. وسعيهم للسلطة سارع بإسقاط التنظيم

  محمود عزت
محمود عزت

لم تغير الضربة الموجعة التى وجهتها أجهزة الأمن لجماعة الإخوان المسلمين خلال الساعات الماضية باعتقال الدكتور محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين شيئاً من حقيقة الوضع التنظيمى المضطرب للجماعة منذ فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة.
فقط كانت هذه الخطوة أشبه برصاصة الرحمة التى أطلقت على التنظيم بعد وفاته إكلينيكيا، كما أنها مثلت تحولاً جذرياً فى أدبيات التعامل بين أجهزة الأمن والإخوان، والتى تم الاستقرار عليها منذ بداية عهد الرئيس "المخلوع" حسنى مبارك، وكان أهمها أن اعتقال المرشد "خط أحمر" وما دونه من القيادات أمر مباح، والغريب أن نظام مبارك ظل وفياً لهذا الاتفاق غير المعلن حتى أثناء انهياره فى ثورة يناير فلم يفكر نظام مبارك أثناء الضربة الأمنية "الأخطر" التى وجهها للإخوان ليلة جمعة الغضب 28 يناير 2011 فى اعتقال المرشد العام للإخوان، واكتفى فقط باعتقال أكثر من نصف أعضاء مكتب الإرشاد وعدد كبير من أعضاء مجلس شورى عام الجماعة وقيادات الإخوان بالمحافظات، وبالتالى فإن محمد بديع هو أول مرشد عام للإخوان يتم اعتقاله منذ اعتقال عمر التلمسانى فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات على خلفية أحداث سبتمبر 1981.
الترتيبات التنظيمية التى سيتخذها الإخوان عقب اعتقال بديع لا يمكن وصفها إلا بأنها مجرد إجراءات شكلية لن تغير فى الواقع "المتأزم" الذى تمر به الجماعة، ولن تبث الروح مرة أخرى إلى جسد التنظيم الميت "إكلينيكيا" شيئاً، فلن يفرق كثيراً تولى محمود عزت المنصب "المؤقت" كذلك لن يغير من الأمر شيئاً تولى محمود غزلان منصب الأمين العام للجماعة بدلاً من محمود حسين المتواجد خارج مصر من قبل 30 يونيو الماضى.
كل هذه الإجراءات لن يكون لها أى أثر على أرض الواقع ولن تفلح فى معالجة أثر الضربات الأمنية القاسية التى تعرضت لها الجماعة خلال الأيام الماضية، لاسيما تلك التى بدأت منذ فجر السبت الماضى عقب أحداث رمسيس ومستمرة حتى الآن، حيث تشير بعض المصادر إلى أن إجمالى عدد أعضاء الجماعة الذين تم اعتقالهم فى هذه الحملة اقترب من الـ2000 عضو، بينهم أغلب قيادات الصف الثانى والثالث داخل الجماعة على مستوى جميع المحافظات.
تلك الاعتقالات كان لها أثر بالغ على شل حركة الجماعة تماماً، وأدت إلى فقدان التواصل بين أعضاء الإخوان ومسئوليهم المباشرين فأصبح أنصار الإخوان يعلمون بالفعاليات الاحتجاجية عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعى وترتب عليه ضعف واضح فى الحشد الجماهيرى خلال الفعاليات التى تمت منذ يوم السبت وحتى الآن، نظراً لأن وسائل الإخوان فى الحشد تعتمد بشكل رئيسى على التواصل الشخصى المباشر والذى أصبح ضعيفاً جداً.
ليس غريباً إذن أن يصرح أحمد عارف المتحدث الإعلامى باسم الجماعة عقب اعتقال بديع بأن "الإخوان جزء من التحالف الوطنى لدعم الشرعية" فلم يعد أمام الجماعة سبيل للحفاظ على ما تبقى منها سوى أن تذوب داخل كيان أكبر أو على الأقل تتستر وراءه لتحافظ على الجزء الباقى منها، لاسيما أن الضربات الأمنية تم توجيهها فى الأساس إلى الإخوان بخلاف باقى مكونات التحالف، فمثلاً حتى الآن لم يتم اعتقال أى من رموز الجماعة الإسلامية بما فيهم عاصم عبد الماجد ولم يتم اعتقال كوادرها الوسيطة فى المحافظات، وهو أمر يمكن تفسيره فى ضوء التعنت الواضح من الإخوان تحديداً أثناء المفاوضات التى جرت مع النظام لحل الأزمة، حيث أكدت مصادر مطلعة أن تياراً بعينه داخل جماعة الإخوان المسلمين تعمد إفشال المفاوضات وإحراج باقى مكونات التحالف حتى لا يقبلوا بصفقة الخروج الآمن والحصول على امتيازات تضمن للتيار الإسلامى التواجد داخل الحياة السياسية دون تعرضه للإقصاء.
المصادر ذاتها تشير إلى أن الضربات الأمنية التى تعرضت لها الإخوان تطورت وفقاً لموقفهم من المفاوضات الذى كان متناقضاً للغاية، فمن ناحية هرولت الجماعة للدخول فى المسار التفاوضى مع النظام سريعاً جداً لدرجة أنها فوضت محمد على بشر للتفاوض باسمها مع النظام بهدف حل الأزمة فى نفس ليلة عزل مرسى.
وهو ما يؤكده تصريحات محمد طوسون رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشورى السابق الذى أشار إلى أن رئاسة الجمهورية استدعته للقاء الرئيس "المؤقت" عدلى منصور يوم 4 يوليو أى بعد عزل مرسى بيوم واحد لكن الإخوان طلبوا منه ألا يذهب، نظراً لأن محمد على بشر هو الذى يتولى ملف التفاوض مع النظام.
لكن من ناحية أخرى، فإن الجماعة التى هرولت إلى التفاوض كانت تصر على تصعيد الاحتجاجات فى الشارع، وكان واضحاً أن تياراً داخل الإخوان هو الذى يقود عملية التصعيد ليس من أجل دعم الموقف التفاوضى للإخوان، أو تحسين شروط التفاوض ولكن لإفشال المفاوضات برمتها فكان رد أجهزة الأمن هو اعتقال رموز هذا التيار، وعلى رأسهم خيرت الشاطر نائب المرشد العام للجماعة بهدف إتاحة الفرصة أمام الخروج بحل سياسى، لكن فى النهاية تمكن أتباع الشاطر خارج السجن من إفشال المفاوضات، فردت أجهزة الأمن بدورها باتباع سياسة الإقصاء الكلى.
البدائل المتاحة الآن أمام الإخوان تبدو محدودة للغاية، فلا يستطيع أحد أن يجزم بأن سياسة "الذوبان" داخل الإطار العام للتيار الإسلامى المساند للجماعة سيضمن للإخوان دور القائد الذى حرصوا عليه منذ أن أسسوا هذا التحالف قبل 30 يونيو بـ3 أيام، بل أصبح من المتوقع فى ظل حالة الضعف التنظيمى للإخوان أن تتمكن الأصوات التى تدعو إلى القبول بخارطة الطريق داخل التحالف من فرض تواجدها خلال الفترة المقبلة، وهو ما أكده محمد ياسين همام مسئول العلاقات الخارجية داخل الجماعة الإسلامية فى تصريحاته الصحفية الأخيرة، عندما أشار إلى أن هناك نزاعاً بين فريقين داخل التحالف، أحدهما يرى ضرورة القبول بخارطة الطريق، لكنه يحتاج من السلطة إلى إشارات تهدئة.
ليس فقط دور القائد هو الذى سيخسره الإخوان بعد الموت "الإكلينيكى" للتنظيم لكن الخسارة الفادحة هى فقدان السيطرة على الكتلة السائلة من شباب الجماعة والذين يمثلون الجسد الرئيسى للإخوان، حيث أصبح من السهل للغاية فى هذا التوقيت استقطابهم لصالح تيارات سياسية أخرى لاسيما الفكرة الجهادية والتى أصبحت أكثر جاذبية لشباب الجماعة باعتبار أن الحديث عن السلمية الآن - فى وجهة نظرهم - هو نوع من العبث.
ربما يبدو الحل الأقرب لأذهان قادة الجماعة داخل السجن الآن هو استغلال حالة الضغط الخارجى، والتى تطالب بعدم إقصاء الإخوان من المشهد السياسى فى الحفاظ على ما تبقى من التنظيم وعدم فرض حظر عليه وفى المقابل ستتحمل الجماعة باقى الخسائر بما فيها اعتقال المرشد وربما تغييبه داخل السجن لعدة سنوات وهذا الحل يتسق تماماً مع الهدف الذى خاضت الجماعة الانتخابات الرئاسية وسعت إلى السلطة من أجله وهو الحفاظ على التنظيم خوفاً من استقطاب أنصارها لصالح المرشحين الرئاسيين أو وصول مرشح للرئاسة يمارس تضييقا عليهم لكن القدر حول سعيهم نحو السلطة إلى سبب فى فناء التنظيم.